《حقيقةُ العــــرب بعيــــونٍ يابانيــــة !》
خالد عبد الكريم سامراء
من العراق لجريدة وقناة وراديو العالم الحر للاعلامى/ سمير المسلمانى
. بعد أربعين عاماً من حياتهِ ودراستهِ في المجتمع العربي ، قرر المُستعربُ الياباني “نوبواكي نوتوهارا” المولود عام 1940م في اليابان أن يؤلفَ كتابَهُ الأول عن المجتمع العربي وطبيعة تركيبة الإنسان العربي من عادات وتقاليد، وكل ما يحويهِ المجتمع العربي فوصفهُ بأدق التفاصيل من خلال كتابهِ الشهير (العرب وجهة نظر يابانية ) وهو خلاصة حياتهِ في مجتمعنا العربي لزمنٍ طويل جداً عاشَ فيه في مختلف المناطق والدول العربية مابين القاهرة والريف بالصعيد المصري وكذلك عاشَ بين القبائل البدوية في الشام والمغرب العربي . لقد كرس أربعين عاماً من حياتهِ في دراسة وترجمة الأدب العربي من الشعر والروايات والقصص والكتب العربية إلى اللغة اليابانية، وكان له العديد من الأصدقاء الكتاب والأدباء العرب ، حيث ذكرَ في كتابهِ الذي يعتبر من أفضل الكتب في العلوم الإجتماعية؛ التي وصفت مجتمعنا العربي بدقة عالية جداً، ولا أخفي عليكم لقد تعجبتُ كثيراً عندما قرأتُ هذا الكتاب الذي أعتبرهُ كنزاً ثميناً يُخلَدُ واقعُ الحياة والشخصية العربية بأدقِ التفاصيل وبصورة صادقة وحقيقية عاشها الكاتبُ بين مجتمعنا لوقتٍ طويل جداً، حيث ذكرَ الكاتبُ والمترجم الياباني حقيقة العرب بهذا الكتاب المؤلف من (144)صفحة، والذي نشر في عام 2003م عن دار منشورات الجمل. وما شدّني أكثر لهذا الكتاب هي صراحةُ الكاتب ودقتهِ المتناهية جداً بالوصف ، حيث يقول في الصفحة رقم (7) إني أعطيتُ القضيةَ العربية الكثير من عمري، فبعد أربعين عاماً من حياتي آن الأوان أن أقولَ كلمتي في حق المجتمع العربي، ثم بدأ الكاتب بوضع نقاطهُ التي إكتشفها في عالمنا العربي، وبدأ بالنقطةِ الأولى وهي (غياب العدالة الإجتماعية): وحقاً كان صادقٌ بكلِ حرفٍ كتبهُ عن هذه النقطة وجميع النقاط، حيث ذكرَ في هذه النقطة أن المجتمعَ العربي مشغولٌ بنمط واحد على غرار الحاكم الواحد، والدين الواحد ، والقيمة الواحدة وهكذا… ولذلك الناس تحاولَ أن تتشابه في ملابسِهم وبيوتِهم وسياراتِهم وآرائِهم وبهذا تضيعُ استقلالية الفرد، وخصوصية إختلافهِ عن الآخرين. أعني يغيب مفهوم المواطن الفرد لتحلَّ مكانهُ فكرة الجماعة المتشابهة المطيعة للنظام السائد. وبهذه المجتمعات يحاولُ الفردُ أن يميزَ نفسه بنسب كالكنية أو بالعشيرة أو بالمنصب أو بالثروة أو بالشهادة العالية، في مجتمع تغيبُ عنهُ العدالة ويسودُ فيه القمع وتذوبُ فيهِ استقلالية الفرد وقيمتهِ كإنسانٍ يغيبُ أيضاً الوعي بالمسؤولية. لذلك لا يشعرُ المواطنُ العربي بمسؤوليتهِ عن الممتلكاتِ العامة مثل الحدائق العامة والشوارع ….الخ لذلك يدمرها الناس إعتقاداً منهم أنهم يدمرون ممتلكات الحكومة لاممتلكاتهم هم .” فبهذا الوصف كان الكاتب الياباني يعيّ ما يقول وأنه يعيش الواقع بحذافيرهُ داخل مجتمعنا العربي، وقد وصفهُ بكامل وصفهِ الحقيقي وحدد كل صغيرةٍ وكبيرةٍ داخل المجتمع العربي بنظرتهِ الشخصية الصادقة والصريحة جداً. كذلك شدّني موقفٌ آخر كان قد ذكرهُ الكاتب في الصفحة رقم (32) يقول: “كنت في طريقي إلى بيتِ صديقي فكان منظرُ الحي جداً قبيح ،والشارع مليءٌ بالنفاياتِ والقاذورات وبقايا الطعام وكان منظرُ بابِ العمارة قذراً ومقززاً جداً وكذلك الدرج، وعندما وصلتُ إلى الباب تفاجأتُ بمنظرِ المنزل من خلفِ الباب حيث كان عكسَ الخارج تماماً فبيتهُ نظيفٌ جداً ومرتب ومريح للغاية، من هنا فهمتُ أن نظرة المجتمع للممتلكاتِ العامة مختلف فهم يعاملوها على إنها عدو لهم . فنجدُ دائماً أن المقاعدَ العامة محطمةٌ وكذلك مصابيح الشوارع وكذلك دورات المياه العامة قذرة بشكل لا يوصف . وحتى المباني الحكومية محطمة وقذرة من هنا علمتُ أن المواطنَ العربي دائماً يفكرُ بالإنتقامِ من الممتلكات العامة، على إنه إنتقامٌ من السلطةِ الحاكمة بسبب عدم وجود العدالة. وهذا تعبيرٌ خاطئ لأنه ينتقمُ من وطنهِ وممتلكاتهِ لا من السلطة ذاتها. ” ويذكرُ الكاتبُ في الصفحة رقم (34) موقف آخر قد حصلَ معهُ في المطار ؛ عندما كان في رحلتهِ إلى الرباط حيث قال ليّ: أحد موظفي المطار أعطني مئة درهماً فأعطيتهُ ظناً مني إنها ضريبة دخُول أو ما شابه؛ وبعد لحظات جاء موظف آخر كلّم الذي أخذ مني المبلغ وبدأ بتوبيخهِ وإكتشفتُ انهُ سرقني ولكنهُ لم يرجعْ لي المئة درهم؛ ومن هنا لا أعلم لماذا لا يعاقب الموظف السارق حتى بعد إكتشافهِ لفسادهِ ؟ فهل معناها جميع الموظفين يعملون لمصالحهم؟ وكأنهم جميعاً اتفقوا على الفسادِ بصمت، لكن المواقفَ كثيرةٌ حصلت معي وأؤكد أن الفساد أصبح حالة عامة في المجتمع العربي.. ويتحدث أيضاً الكاتب في الصفحة رقم (37) عن كيفية الحكم حيث ذكرَ طريقةَ الحكم في دولتهِ اليابان وهو حكم إمبراطوري وإن رئيس الوزراء يتغير كل سنتين، حتى لا يستمرُ بالحكم ويولد ذلك القمع والاستبداد، أما عن نظام الحكم في البلدان العربية يبقى حُكامها مدى الحياة سواء كان ملكاً أو سلطاناً أو أميراً أو رئيس دولة أو رئيس جمهورية إلا إذا اُغتيل أو حدث إنقلاب مسلح ضده . ويتحدثُ أيضاً الكاتب في الصفحة رقم (53) عن سماعهِ بكلمة الديمقراطية في البلدان العربية فيقول : لقد كنتُ دائماً أسمع كلاماً وحديثاً عن الديمقراطية وأسمع وأسمع حتى شبعت وشعرت بالتخمةِ ! فعندما تلتقي بكاتبٍ عربي مُستعد أن يتحدثك إليك عن الديمقراطية لثلاثة ساعات متواصلة، ولايسمحُ لأحد الحاضرين أن يقاطعهُ بهذا تعلم كيف هو يمارسُ الدكتاتورية ويتحدثُ عن الديمقراطية الزائفة التي لاوجود لها بالحقيقة! على الرغم من أن الجميع يذكرها من رجال سلطة ووسائل الإعلام بالمجتمع العربي لكنها ليست موجودة بالحقيقة.. كذلك شدني موقف آخر كان قد ذكرهُ الكاتب في الصفحة رقم (57) وهو الازدواجية بالشخصية العربية : حيث ذكر موقفهُ مع أحد زملائه المصريين الذي أقامَ فترة عام كامل في اليابان وكان مثالاً للانغماس بالملذاتِ وفعل المنكرات وهو لايرتوي منها أبداً وكان سعيداً جداً بذلك ، وبعد أن عاد إلى القاهرة دعاني هذا الصديق إلى منزلهِ في الحي الشعبي حيث كان يحمل الكثير من الاحترام والتجليل لدى زوجتهِ وبنتيهِ ، في كل كلمة يقال له حضرتك! لقد صدمت بهذا الموقف المعاكس تماماً لما كان عليه في اليابان، بدأ لي وكأنهُ الآب المثالي بالخلق والاحترام والالتزام والاستقامة والحفاظ على كل مظاهر الشرف. وهذا الصديق يكاد يكون هو ذاتهُ بطل ثلاثية نجيب محفوظ وأحمد عبد الجواد ، وهو إنسانٌ ذو شخصيتين متناقضتين جداً واحدة محترمة بالبيت وأمام الحيّ، والأخرى سيئة يمارسها في بيت العالمات والراقصات وينغمرُ بالملذات الجنسية المحرمة.. كذلك يتحدثُ الكاتبُ في باقي كتابهِ عن القضية الفلسطينية وحياة اللاجئين الفلسطينيين ،وعن عدد من الشخصيات للأدباء والكُتّاب العرب الذي إلتقى بهم وكان معجباً بما يحملون من فكر وثقافة، وكان يتعجبُ دائماً ويتسائل لماذا يتم إعتقال هكذا شخصيات وتقمع أفكارهم وكتاباتهم؟ التي يحترمها هو والكثير من شعوب العالم ومنهم الشعب الياباني!